vendredi 16 juillet 2010

معنى التدوين

أصعب ما يمكن أن يؤثر على إنتشار “صناعة التدوين” عربيا هو التعاطي مع المصطلاحات بخلفيات متعددة

هنا عترف، في تخطيطي لتفرغي للتدوين وإطلاق هذه المدونة لم أتوقع إيجاد أي صعوبة في إيصال معنى “التدوين الإحترافي”. أخطأت في تفاؤلي، إذ حتى الآن ما زلت أتلقى رسائل تتساءل عن التعريف الدقيق للتدوين الإحترافي وأقرأ تعليقات حول التفريق بين التدوين التجاري والتدوين الإحترافي.

ضمن موضوع “إسألني” سأل الصديق سيراج عن المعنى الدقيق للتدوين الإحترافي. وما الفرق بينه وبين الكتابة بأجر. سأحاول هنا إيصال فكرتي بأكبر دقة ممكنة حول التدوين الإحترافي.

جزء من المشكلة متعلقة بالتدوين نفسه.. أقصد فهمنا للتدوين. فحتى الآن ما زلت أصادف مقالات رأي وتحقيقات لصحفيين ومهتمين يقولون بأنهم على إطلاع جيد على “الإعلام الجديد”، غير أن فهمهم للتدوين، كما مدونين كثر، غير سليم بالمرة. صباح اليوم فقط قرأت كتيبا صغيرا بعنوان “أدب المدونات”، وخرجت منه بحقيقة واحدة: المؤلف لا يفرق بين المدونات والمنتديات. وقبل أيام وجدت صحفيا شهيرا في حديثه لا يفرق بين التدوين والكتابة على “الحائط” في الشبكات الإجتماعية!

ما هو التدوين؟

في أي تعريف للتدوين نجد الشارح دائما يعتمد على الجانب التقني في إيضاح الفارق بين المدونات والمواقع العادية، وتحديده في ثلاث نقاط: دورية النشر، التعليقات، التلقيمات. غير أن هذا التعريف أصبح قاصرا جدا. فأغلب المواقع الآن، إن لم تكن جميعها، توفر إمكانية التعليق والوصول إلى المحتوى/التحديثات عبر التلقيمات.

شعبية التدوين بنيت أساسا على إمتيازاته التقنية، إلا أنه أكثر من مجرد إختلافات تقنية. فالتدوين يختلف عن مواقع الإنترنت العادية بأسلوبه الخاص وفلسفته المحددة لطريقة الكتابة والمعالجة. فعلى عكس الصحف، المجلات والكتب، المدونات وسيلة تواصل حميمية بين المدون وقرائه.

مع المدونات لا يبقى القارئ سجين صفة “القارئ الإفتراضي”، بل هو قارئ متفاعل ودائم التواصل مع المدون. وهو ما يتطلب من المدون أسلوبا معينا في الكتابة والتواصل وإحتراما أكبر للقارئ. إذ لا يكفي أن ينقل الشخص مقالاته المنشورة في الصحف (أو نصوصه الأدبية) إلى موقع إلكتروني لنقول بأنه أصبح مدونا (!) في حين أنه مجرد إسم مختفي خلف نص جامد. بل عليه أن يكون أكثر حميمة في كتاباته وتواصله مع قراء مدونته، ويدرك جيدا أن الكتابة للمدونات ليست كمثل أي كتابة أخرى.

التدوين الإحترافي.. أم التدوين التجاري؟

من بين ما استقبلته من تعليقات، تعليقات تعتبر التدوين بهدف الكسب المالي جناية في حق التدوين، وتباعد بين التدوين الإحترافي والتدوين التجاري، ناظرة إلى الأخير بنظرة إزدراء ودونية، وحاصرة الأول في جودة المحتوى.

حسنًا، بالنسبة إلىّ لا وجود لشيء يسمى “التدوين التجاري”!

لنعد الآن إلى المصطلح الأصلي: Professional Blogging. وهو مصطلح أطلق في الغرب للدلالة على عملية ممارسة التدوين لا كمجرد هواية في وقت الفراغ بل كمهنة بغرض الكسب المادي.

بالعودة إلى موسوعة ويكيبديا، نجد التعريف التالي لمصطلح Profession (في نسختها العربية): “المهنة هي وظيفة مبنية على أساس من العلم والخبرة اختيرت اختيارا مناسبا حسب مجال العمل الخاص بها وهي تتطلب مهارات وتخصصات معينة ويحكمها قوانين وآداب لتنظيم العمل به كما يمكن تعريفها بأنها الحرفة التي بواسطتها تعرف إمكانية تطبيق المعرفة والخبرة المثبتة في بعض حقول المعرفة أو العلوم على مجالات أخرى أمكن استخدامها في ممارسة فن مستند على تلك الخبرة.”

وفق هذا التعريف، لو أردنا ترجمة الأصل الإنجليزي المتفق عليه Professional Blogging، سنحصل على “التدوين المهنى”. ولأن المهنة هي الحرفة يمكننا تعريبه بـ “التدوين الحرفي” و”التدوين الإحترافي”.

التدوين الإحترافي هو عملية الممارسة المهنية للتدوين بإعتباره وظيفة. الوظيفة قد تكون بدوام كامل تتطلب تفرغا تاما من المدون وقد تكون بدوام جزئي لا تتطلب تفرغا كاملا، كما قد تكون مهنة حرة Freelance يمارسها المدون لساعات وأشكال محدودة.

أما مسألة “جودة المحتوى” فهي خارج متطلبات التعريف، أي لا يمكننا القول بأن التدوين الإحترافي هو التدوين ذي الجودة العالية. غير أن الجودة متطلب أساسي للتدوين الإحترافي نفسه، فبدونها لن يحقق المدون المحترف أي نجاح.

هناك حقيقة متجاهلة: المدونات ليست هي الصحف ولا القنوات الفضائية حتى يتم جني المال عن طريق نشر صور العري. ركيزة التكسب من التدوين هي المحتوى. فأن ينجح المدون في ممارسة التدوين الإحترافي عليه أن يقدم محتوى قيما يقنع القراء بالقراءة، بل مدوامة القراءة، ويقنع المعلنين بالتالي بنشر إعلانات تتناسب مع طبيعة جمهور المدونة، أو محتوى يوفر للمدون المصداقية والسمعة ليوفر منتجات وخدمات جانبية يبيعها عن طريق المدونة لجمهور مدونته.